05‏/04‏/2012

هكذا يريدها الجنرال، فماذا يريد الشعب؟

محمد فال ولد نزيلو
لايحتاج الناظر إلى الأوضاع الراهنة التي يعيشها البلد إلى تأمل أو دقة نظر ليدرك متى التأزم الذي يعاني منه البلد، ومدى التردي الحاصل في الأوضاع وعلى كافة الميادين والأصعدة، بدءا بالانقلاب على أول رئيس مدني منتخب - بشكل ديمقراطي وشفاف- على المستوى الوطني؛ بل على مستوى العالم العربي كله؛ انقلاب أرجع البلد إلى الوراء عشرات السنين، ومرورا بالارتفاعات المذهلة التي شهدتها الأسعار، وخاصة أسعار المواد الغذائية والبنزين، والتي وصل ارتفاعها في بعض الأحيان، إلى أكثر من 50%، ومرورا بمهزلة ما يسمى بدكاكين التضامن، تلك الدكاكين التي لا تمسن ولا تغني من جوع، بل تزيد الوضع تفاقما وسوءا.

ومن الطريف أن صاحب صهريج يبيع براميل الماء في إحدى مقاطعات نواكشوط وهو من الشريحة التي يفترض أن تستفيد من هذه الدكاكين أخبرني أنه إذا ذهب إلى طابور دكان التضامن ليشتري كيلو غراما من السكر، بتخفيض نحو مائة أوقية، عليه أن يخسر في المقابل 600 أوقية، أو 1200 أوقية، لأن طابور حنفية الصهاريج سيفوته مرة أو مرتين وربما أكثر، فلسان حاله ينشد:

المستجير بعمرو عند كربته *** كالمستجير من الرمضاء بالنار

ومرورا بانتهاء مأمورية المؤسسات التشريعية والمجالس المحلية المنتخبة، وعجز النظام عن الدعوة إلى انتخابات ديمقراطية تتوفر على ضمانات حقيقية تلبي معايير النزاهة والشفافية، وترضي كافة الأطراف التي تمثل الطيف السياسي في البلد.

ويعد التعليم الأسوأ حظا في ظل نظام الجنرال، فجامعة –أو ابتدائية – العيون الإسلامية جامعة بدون بنية تحتية، وبدون ميزانية لائقة، وبدون كادر تعليم حقيقي، وبدون مقررات عليمة خاصة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، بل تعتمد على بعض أساتذة المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، وبعض مقرراته كذلك، وبدون دراسة تبين وتحدد الأهداف والغايات المرجوة من هذه الجامعة، هكذا اعترف الجنرال متذرعا بدافع الغيرة على الإسلام والوطن، قائلا بلسان الحال إنه قال لجامعة العيون الإسلامية (كوني فكانت) بين عشية وضحاها، أهذا القول منطقي يا سيادة الجنرال! ما هكذا يا سعد تورد الإبل! وهل هي جامعة أو مدرسة ابتدائية؟، أشك في الإسم أحيانا.

هذه الجامعة أذا أضحت كابوسا مخيفا يهدد بوأد قلعة العلم والبذل والعطاء أزهر شنقيط: المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، القلعة التليدة التي يزيد عمرها عن ثلاثة عقود، والتي أنجبت العلماء والأدباء الأفذاذ والمفكرين والإعلاميين المتميزين، والوزراء... والقامة تطول، فأين وأد هذه المؤسسة العريقة واستبدالها بالتصريحات الطوباوية من المثل السائر: (حفظ الموجود أولي من طلب المفقود)؟ وما يشاع على افتراض صحته –والواقع الحالي يكذبه- من أن المعهد العالي مفتوح أمام حملة المسابقة وخريجي المعاهد الداخلية ومغلق أمام حملة الباكلوريا فقط هو أشبه ما يكون بالموت البطيء أو الموت الرحيم للمعهد، أقول هذا لأنه الحق، وإن كنت ممن دخل المعهد عن طريق المسابقة وليس الباكلوريا.

ولا تنتهي المأساة عند تحويل المعهد العالي إلى ثكنة عسكرية أو بالأحرى إلى ساحة حرب غير متكافئة بين صاحب الكلمة وحامل السلاح، سعيا إلى قمع الطلاب والطالبات أبشع أنواع القمع، ومصادرة الكلمة منهم وبشهادة المنظمات الحقوقية المحلية منها والإقليمية، وباعتراف (القائد الميداني) مدير المعهد العالي السيد أحمد ولد اباه، الذي قال في مقابلة مع وكالة الأخبار "إن طالبات المعهد العالي لسن نساء، وإن المرأة إذا قاتلت قتلت"، فالمسألة إذا من وجهة نظره –أو من وجهة نظر السلطة التي يمثلها- هي قتال ممنهج بين جيشين، أو بين أتباع ملتين، يباح فيه القتل فأحرى ما دونه من أنواع التعذيب والتنكيل للطلاب والطالبات وعلى حد السواء، وفي باحة مؤسسة علمية عريقة، أمر لم نسمع بمثله في أيام حكم زين العابدين والقذافي وصالح ومبارك، وأمثالهم، ولكننا عشناه وشاهدناه في أيام الجنرال، ناهيك عن ما تتعرض له جامعة نواكشوط هي الأخرى من قمع وتكميم للأفواه، واقتحامات عسكرية متكررة للحرم الجامعي، وبدون أبسط مبرر سائغ، ومن فصل تعسفي للطلاب الشرفاء، الذين حاولوا تنظيم يوم تطوعي لتنظيف كليتهم من الأوساخ والنفايات، فهل جزاء هؤلاء الطلاب الفصل من الدراسة؟، إن هذا لهو (جزاء سنمار).

ولا ينتهي الأمر عند تجاهل الإضراب والمطالب المشروعة لأساتذة التعليم الثانوي والإعدادي وتعليق البعض منهم، والتهديد بفصل الآخر.

وعندما خرجت المعارضة عن صمتها ونظمت مسيرة حضارية توصف بأنها الأحسن تنظيما، والأضخم عددا في تاريخ البلاد، صدحت خلالها الحناجر بالشعار الأثير : "الشعب يريد إسقاط النظام"، جن جنون الجنرال وبدى في خطاب نواذيبو –الذي وصف بخطاب الإفلاس السياسي- بدى فيه رجلا متناقضا ما بين الغضب الحاد، والتهكم والرضا، ليخوض أمام العامة وبكل عفوية في قضايا وطنية حساسة وبالغة الخطورة، يصعب على المثقفين والسياسيين فهمها، فكيف بالعامة، كقصية الإرث الإنساني، بل ويلمح الجنرال إلى أنه يعرف الفاعلين والمتورطين في تلك الأحداث الأليمة، وهو ما تضررت منه الوحدة الوطنية كثيرا، وبدى كأنه صب للزيت على النار، ولم يخل الخطاب من نكت كافتخار الجنرال بحلق لحيته وتعريضه بمصداقية الملتحين، وكوصفه لقادة المعارضة بالشيوخ العجزة، كذلك قال علي عبد الله صالح من قبل، (أصوات المشايخ غير مقبولة، فاتكم القطار، قاتكم القطار)، هل لأن الجنرال لم يفهم الدرس بعد على بساطته؟، ويا ترى متى ينجلي الليل وينكسر القيد؟، ليس أمامي الآن إلا أن أقول:

فاقرأ على وطن الأوجاع فاتحة *** واصبر قليلا لعل الليل ينجاب

ليست هناك تعليقات: