10‏/02‏/2014

قراءة في النظام الحانوتي وردوده (الحلقة الثانية)


د / يحى ولد الصغير

أ- المقال الأول: وكاف حانوت الدويره...
استفتح الدكتور خطبته بآيات من سورة الأنعام (74-79). وأظن أن الكاتب يريد منها أن المرء في بحثه الدؤوب عن الحقيقة قد يراها في أشياء عديدة ولكن في آخر المطاف قد يقف عليها على غرار سعي إبراهيم في بحثه عن الخالق عندما طلبه في الكواكب وأظن أن كل ذالك بمثابة الكناية عن مسار الدكتور الذي من خلال كتاباته أظهر نفسه باحثا عن الحقيقة التي نراها في مقالاته تعني المصلحة الوطنية.

بقي إن كان هذا الأمر هو المحرك الفعلي أم لا !!!، أظن أن المراحل القادمة ستبين ذلك، ويبدو أن الإجابة على هذا السؤال توجد في الفقرة الموالية للآية إن اعتبرنا أن اختيار الكتابة وسيلة لسبر الرأي، إذ أشار وزير الصحة الأسبق أنه عندما رفض الرئيس السابق معوية إصلاح الأوضاع، دفع الدكتور بولد هيدالة إلى الترشح بما أنه يرى فيه رجل المرحلة.

نجح معاوية وبقي صاحب النظام الحانوتي معارضا يصل صوته الخافت من "واد الناقة"، والمتتبع لهذا التمشي لا محالة عارف بأن الرجل سيبارك الانقلاب على معاوية مثله في ذلك مثل جل الموريتانيين الذين يريدون ترميم خطاطة الدولة لما عانوه وعانته من إنهاك على الرغم من أنّ جلهم الآخر (لووول) تسير به موجة وتأتي به أخرى، ويبدو من خلال تمشي هذا المقال أن الرجل يبدي آراءه عند الحاجة، مع العلم أنّ ما وصف به الرجل من عبارات نابية وما تنبأ به هو من ردود فعل رافضة قد يقوي شوكة الرأي الآخر الذي يذم عملية الترحال السياسي خاصة أن الفضائح السياسية لا تظهر حقيقتها لضعف الصحفيين الجادين ومجانبة الصواب لجزء كبير منهم نتيجة امتهان الاتجار بالمعلومة، ينضاف إلى ذلك غموض المجتمع الأهلي الموريتاني.

أ.أ- رمزية وكاف حانوت أدويره (الدويرة قرية مغربية)

بعد استفتاحه الاستهلال بآيات دالة من سورة الأنعام، أضاف إلى رمزية الباحث عن الحقيقة رمزية القناع أو شخصية السروجي في مقامات الحريري إذا ما تجاوزنا الهمذاني ونقصد هنا شخصية "الوكاف" وقبل تحديد الشخصيات نشير إلى أننا تبين لنا من خلال قراءتنا للنظام الحانوتي أن الطبيب يتجاذبه قطبان: قطب يظهر فيه بمثابة الدارس السوسيولوجي الباحث عن لب قضية سبب التراجع البين لمسار التطور في الدولة؛ وقطب آخر يتقمص فيه شخصية السياسي الفج الخبير في طُرق اقتناص نقاط ضعف فريسته أو عيوبها، وقد رشحنا كفة القطب الأول على الثاني على الرغم من أن الكاتب استغله من أجل تعرية رفاق الأمس.

ففي النظام الحانوتي ثلاث شخصيات أساسية:

شحصية الباحث عن الحقيقة (سأسميها الباحث في ما تبقى من المقال)
وشخصية المقنع الظلامي الذي لا يختلق في تخفيه عن الكثير من الشخصيات الافتراضية في المواقع الاجتماعية و(سأسمي هذه الشخصية المقنعة بالحاجب).

شخصية ثالثة وهي لصاحب الحانوت وسكان قرية الدويرة، إذ انطلت على الجميع الحيلة، وهو المجتمع الأهلي الموريتاني (الشعب) عند البعض؛ وأظنها تسمية لا تجري علينا في هذه الفترة باعتبار أن للمجتمع دورة حياة تعتبر مرحلة "الشعب" مرتبة الفتوة فيها؛ ونحن لا نزال في الطور القبلي أي في بداية السنن الاجتماعي.

إنّ محاولة إسقاط هذه الشخصيات على واقعنا هي مكمن الاختلاف في بعض الردود.

وانطلاقا مما قرأنا في الأصول والفروع أي النظام الحانوتي وردود فعله، تعكس شخصية الباحث، شخص الدكتور، وشخصية الحاجب نظاما بعينه، تارة وجميع الأنظمة الموريتانية تارة أخرى، والشخصية الأخيرة زيادة على المجتمع الأهلي قد تكون النظام المخلوع الخالع أي نظام ولد الطايع، أو نظام المخلوع أي نظام ولد الشيخ عبد الله، إذا ما اعتبرنا أن المقصود بالحاجب هو الحرس الرئاسي.

فقد اعتمدنا تمثيل الدكتور لشخصية الباحث انطلاقا من عدة إشارات في الاستهلال منها:

 "وسهل على الطبيب أن يفرق بين الشحم والورم" (النظام الحانوتي/1). أما شخصية الحاجب فقد استدللنا عليها بالأنظمة الموريتانية انظلاقا من: "في هذه المعالجة لن أشغل نفسي كثيرا بتشخيص الأنظمة الموريتانية.. إلا بقدر ما يخدم الرؤية التي سأعرضها على المواطن الموريتاني.. ليكون حكما" (النظام الحانوتي/1)؛ ويضيف "المشكلة هنا أن الخيوط الممسوكة كثيرة في الحلة الوطنية منذ الثامن والعشرين نوفمبر 1960، وإلى اليوم من 2013" (النظام الحانوتي/1).

وقد اعتمدنا تمثيل المجتمع الأهلي الموريتاني بصاحب الحانوت بناءا على "من المفارقات المستمرة وإلى الآن أن خمسة عقود من الركود واللاوعي لم تقنع الموريتانيين بأنهم يبنون في سفح الهاوية" (النظام الحانوتي/1). واعتمدنا تأويل الحانوت وصاحبه بالمجتمع الأهلي الموريتاني انطلاقا من التساؤل الذي تخلص به الطبيب من سرد قصة "حانوت وكاف أدويرة": "هل من هنا انطلقت عقدة الموريتانيين من الأنظمة الحانوتية التي تعاقبت على رقابهم..

العقدة من الحاكم الذي يقنبل البلد ويحرق أوصال الأمن والاستقرار الاجتماعي، ويحرك المياه القبلية والشرائحية والعرقية العكرة من أجل الاستيلاء على كل شيء – تافه في النهاية- ومن ثم حرق البلد لإخفاء جريمته؟!." (النظام الحانوتي/1). ويذكر ثنائية الوطن/الحانوت في (النظام الحانوتي/2) فقضية "وقاف حانوت أدويره" إذا قضية مشعبة لأنها من جهة تمسح خمسة عقود ونيف ويتداخل فيها السياسي بالاجتماعي، وتغول الحكام بسذاجة الشعب، وتبدل المفاهيم بانسجام متناسق بين حركة الموريتاني اتجاه الغنى في أبشع صوره، وتغاضي النظام عنه، في جو يتماهى مع ما يقوم به الاستعمار من استنزاف لخيرات المستعمرات؛ إلى درجة يمكن القول معها إن الأنظمة الموريتانية جاءت لهذه الأراضي لا من أجل خلق نواة أمة أو دولة وطنية على غرار كل الأمم وإنما مجرد "افرَيّكْ امْعَزّبْ" سيرحل إلى مكان آخر.

ليست هناك تعليقات: