الأخبار : تنشر تقارير خاص عن مثلث " الأمل"

مثلث الفقر..صراع الساسة والمساكين

أهل الفقر وقاطنوه يشعرون بكثير من التهميش..ويطالبون السلطات ببذل المزيد من الجهود لتخفيف وطأة الفقر

عجبا لقاطني مثلث الفقر.. ينقمون كثيرا على السياسيين..ويؤملون منهم خيرا وفيرا..ويخافون منهم، ويستغربون من شدة دهائهم، وقدرتهم على استجلاب بطاقات الناخبين مرات عديدة، ويعتبرون أن الدولة مهمتها فقط تسوية النزاعات، وحل المشاكل البينية.

يدركون حقا ما يحيق بهم، ويتمتعون بقدرة فائقة على تشخيص واقعهم، ووضع تصورات ناضجة –شيئا ما- لتجاوز أزمات المنطقة..لكن لايكاد أحد منهم ينطق بنصف جملة إلا وأدخل فيها السياسة أو السياسيين..كجزء من الحل أو جزء من المشكلة..

المعارضة دوما متأخرة

قد يمكث بعض سكان مثلث الفقر سنوات عديدة دون أن يخرجوا منه..وسط تشكيك واسع بأهمية الدولة

"لغظف ولد انبارك" يجلس في زاوية حادة من مثلث الفقر (أدي لعمد) منذ أكثر من عشرين سنة.. لم يزر خلالها العاصمة نواكشوط، يزاوج بين بعض المهن الحرة في المنطقة، تارة في الحراثة وتارة في مخبزته الصغيرة..لكن الجفاف الماحق لهذا العام قد أوقف كل تلك النشاطات، بفعل قلة الأمطار، والتهام الحيوانات لمزرعته، وغلاء الأسعار.. فجلس قرب زوجته وأبنائه..مستسلما –كما يقول- للظروف الصعبة.

لغظف ولد انبارك أقعده الجفاف وضيق ذات اليد عن العمل..فأصبح يعتمد على ما تقوم به أم العيال من خدمات للجيران

يصب ولد انبارك جام غضبه على الساسة ويعتبر أن همهم الوحيد هو تحقيق مآربهم الشخصية، وأنهم لايتصلون بهم إلا إبان الحملات، غير أنه آلى في الانتخابات الماضية ألا يصوت مطلقا، ولا أي من أسرته، فجمع البطاقات السبعة المتحصلة من ناخبي عائلته، وصار يذهب بها كل صباح وهو يتتبع ماشيته، غير أن دهاء السياسيين -كما يقول- كان له بالمرصاد، حيث أرسلوا له بعض أقاربه..فشتت جميع أفكاره، وسلبه البطاقات السبعة في فلاة وعاد هو إلى أهله لايلوي على شيء.

ولد انبارك قال في حديثه مع "الأخبار" إنه دائما ما يمنح أصوات جيمع عائلته بناء على الاستجداء والجاه و القرابة، لكن المعارضة دوما لا تأتيه إلا متأخرة بعد أن خرجت البطاقات من يده، فلم يصوت لها طيلة حياته.

نحن مصفقون

عيشة بنت السالك ليس لها ماتعيل به أولادها السبعة إلا ماتجنيه من صنعها الثريد للجيران

عيشة بنت السالك تقبع قرب أبنائها عند منتصف الطريق الرابط بين "القايرة" ومقاطعة "باركيول" معتبرة أن الجهل والأمية دفعها إلى القيام ببعض الأشغال لكنها تدوم كثيرا، فقبل فترة كانت تقيم تعاونية لاستصلاح جلود الحيوانات..لكن الترخيص الاداري وضيق ذات اليد عاق تقدم المشروع، وهي الآن تمتهن بيع الكسكس لجيرانها في الحي.

تقول بنت السالك "نحن مصفقون" نتبع لكل منتخب جاءنا، وهو لايحقق لنا شئا ويأتينا في موسم انتخابي آخر ونعيد نفس الكرة، هم يدركون أننا أميون؛ لذا يعملون على تحهيلنا أكثر..لايريدون لأبنائنا أن يدرسوا حتى نبقى متخلفين لكي نخدمهم ونمنحهم أصواتنا..وسنبقى كذلك..ما دمنا جهلة..فنحن نصفق للجميع وسنبقى كذلك..حنت ينتشر التعليم بين صفوفنا.

غلاء القرآن

غلاء سعر تدريس القرآن بمنطقة "أدي لعمد بالكثيرين" إلى العزوف عنه والبحث عن مهن تسد رمق عيشهم

تؤكد بنت السالك أن أبناءها الكبار لايمكن أن يدرسوا المدرسة لأنهم يبحثون عن العمل كي يعيلوا الأسرة، ويجمعوا لأنفسهم ما يؤهلهم للولوج لحياة اجتماعية مقبولة..والدولة لاتساعدهم على تجاوز هذه الصعاب..

وتردف بنت السالك أما الصغار فقد حرصت على تعليمهم القرآن، لكن إمام مسجد الحي يدرس "حزب القرآن" الواحد بـ3000أوقية وتارة 4000 وهو سعر غال لايمكن لي أن أتكفل به، ولو حصلت عليه لاشتريت به قوت صغاري، أو ادخرته للقيام بمشروع تجاري، ورغم ذلك أدرك أن أبنائي سيظلون يخدمون الآخرين مالم يتعلموا..

الثورات العربية

عيشة بنت السالك قالت إنها تتابع الأخبار السياسية عن كثب

تتابع بنت السالك الإذاعة ومستجدات السياسة، غير أنها لم تستمع إلى المذياع منذ ما يقارب شهرين، وعند سؤالها عن الأحداث الكبيرة، قالت إنها أحست بالربيع العربي، وتدرك أن "القذافي" قتلته دولته، لكنها لم تعلم بسقوط "مبارك" و لا بتنحي "صالح"، و تضيف بنت السالك أيضا أن بعض الزوار أخبرها بسقوط عبد الله واد الرئيس السنغالي في الانتخابات..

تعتبر بنت السالك أن مهمة السلطات هي حل النزاعات وتسوية مشاكل الأرض والمشكلات العقارية، مشيرة إلى أن طريق القايرة باركيول قد تم تحييدها عن مسارها الطبيعي بفعل بض النافذين في المنطقة، وهو ما تؤكد أنه سيزيد كثيرا من غلاء الأسعار، ويخفف من فك العزلة ويفاقم المشاكل الاقتصادية والصحية بالمنطقة..

ربات الحجال أكبر مصدر لجلب القوت اليومي لعائلات مثلث الفقر

حال بنت السالك ليس أحسن من حال زميلاتها الكثيرات بالمنطقة، واللواتي يمتهن بعض الحرف من أجل توفير القوت للأبناء، والمساعدة في أعباء المعيشة، ولايجدن بدا في كثير من الأحيان لتوجيه أبنائهن وبناتهن للعمل من أجل المشاركة في معركة إقامة الأود.

خاص/ موفد الأخبار (02)